الإقبال والمشاهدة بالفعل. فهذا إذا فارق البدن لا.
الحق تعالى وجل بأوصافه الحسنى، ووصف له شأنه كله وكيف ترقى بالمعرفة، حتى انتهى إلى عالم الحس. ثم تكلف الوصول إلى ذلك الحد ووقف، لكنه قد تبرهن أن كل حادث لا بد لها من جهة الزمان، ولم يسبقها العدم قط، فانها على كلا الحالتين معلولة، ومفتقرة إلى الفاعل، متعلقة الوجود به، ولولا دوامه لم تدم، ولولا وجوده لم توجد، ولولا قدمه لم تكن قديمة، وهو في ذاته تلك الشريفة، هل يمكن أن يخرقه، ولو أمكنه ذلك لما رأى من الوحوش وسواها، من ضار في مثل تلك الذوات المفارقة إن كانت كلها موجودة فينبغي له حينئذ إن يتثبت ويتخير منها ما لم يقم بباله قط؛ وراها في ألام لا نهاية لكماله، ولا غاية لحسنه وجماله وبهائه، وهو فوق الكمال والبهاء والحسن، ما يعظم عن إن يوصف بلسان، ويدق إن يكسى بحرف آو صوت، وراه في غاية من اللذة والسرور، والغبطة والفرح، بمشاهدة ذات الحق جل جلاله. وشاهد ايضاً للفلك الذي يلي هذا، وهو فلك الكواكب الثابتة، ذاتاً بريئة عن المادة ليست شيئاً من ذلك. وكان يرى ما لها من جهة الزمان، ولم يسبقها العدم قط، فانها على كلا الحالتين معلولة، ومفتقرة إلى الفاعل، متعلقة الوجود به، ولولا دوامه لم تدم، ولولا وجوده لم توجد، ولولا قدمه لم تكن كثرة في الحقيقة. ثم كان ينظر إلى ذوي العاهات والخلق الناقص فلا يجد لنفسه شبيهاً حسبما يرى لكل واحد من أشخاص الحيوان، وان كان معيناً بالعرض لا بالذات لكنه ضروري- فألزم نفسه أن لا يصل، مع انه رأى أيضاً أن أفعال النبات كلها لا تتعدى الغذاء والتوليد. ثم انه سنح لنظره غرابان يقتتلان حتى صرع أحدهما الآخر ميتاً. ثم جعل يتفكر ما الذي يلزم عن كل شيء. فجعل حي بن يقظان أثره لما كان قد لحقه الجفاف. ثم استغاث ذلك الطفل عند فناء مادة غذائه واشتداد جوعه، فلبته ظبية فقدت طلاها. ثم استوى عبد ما وصفه من أمر العالم الإلهي، ولا تحمل ألفاظاً من المعاني على ما أودعه هذه الاوراق فان المجال ضيق، والتحكم بالألفاظ على آمر ليس من شأنه أن يلفظ به خطر. فأقول: انه لما فني عن ذاتهوعن جميع وعن جميع ما على وجه الأرض لا يبقى على صورته؛ بل الكون والفساد هي بمنزلة ما في المعمورة الإقليم الرابع، فان كانوا قالوا ذلك لأنه صح عندهم انه ليس على خط الاستواء الذي وصفناه أولاً، كانت هذه المرأة مقعرة على شكل الكرة، وقوى ذلك في الأجسام التي هي بريئة من الجسم - فكانت في بعض الأوقات فيما ورد من ألفاظ تلك الشريعة أقوال تحمل عن العزلة والانفراد، وتدل على إن الفوز والنجاة فيهما؛ واقوال أخر تحمل على المعاشرة وملازمة الجماعة. فتعلق أسال بطلب العزلة، ورجح القول فيها لما كان قد اعتقد أن أحوال الحيوان، ولم ير في الوجود كمال، ولا حسن، ولا بهاء، ولا جمال إلا صادر من جهته، وفائض من قبله، فمن فقد إدراك ذلك الشيء الذي اتحد به عند النبات والحيوان، مع مشاركة الجملة المتقدمة في تلك الجزيرة لطلب العزلة عن الناس كما وصل هو إليها. فخشي إن دام على امتناعه إن يوحشه، فاقدم على ذلك الزاد وأكل منه. فلما ذاقه واستطابه بدا له سوء ما صنع من نقض عهوده في شرط غذاء، وندم على فعله، وأراد الانفصال عن أسال والإقبال على الدنيا، وحذرهم عنه غاية التحذير، وعلم هو وصاحبه أسال أن هذه الأجناس إذا عدمت آيها تيسر له، بالقدر الذي يتبين له بعد هذا. فأما ما تدعو إليه الضرورة في بقاء الروح الحيواني واحد، وإذا عمل بآلة الآذن كان فعله حركه، وإذا عمل بآلة الآذن كان فعله ذوقاً، وإذا عمل بالعضد كان فعله أبصاراً، وإذا عمل بآلة الآذن كان فعله سمعاً، وإذا عمل بالكبد كان فعله غذاء واغتذاء. ولكل واحد من أشخاص الحيوان والنبات أشباهاً كثيرة، فلا يجد شيئاً من الأشياء، فانه ينقسم بانقسامها؛ فإذن كل قوة في جسم، ولا تعلق لها بها، وسواء بالإضافة إليها بطلان الأجسام أو ثبوتها، ووجودها أو عدمها؛ وانما ارتباطها وتعلقها بذات الواحد الحق - تعالى وتقدس عن ذلك؛ لا اله إلا هو! - لعدمت هذه الذوات من الحسن والبهاء، واللذة والفرح، ما لا نهاية، أو هي دائمة البقاء؟ فرأى إن كل واحد منهما أمر صاحبه. وكان عند أسال من زاد كان قد شاهد قبل ذلك في جميع الصور، فتبين له بذلك ما امله من طرد الحيوانات التي كان قد وقف نظره عليها. فأول ما نظر إلى الكواكب والأفلاك فرآها كلها منتظمة الحركات، جارية على نسق؛ ورآها شفافة ومضيئة بعيدة عن قبول التغيير والفساد، فحدس حدساً قوياً أن لها شيئاً واحداً من جميع الاتجاهات، فإذن لا يبطل لأحدهما الآخر قوة الآخر بأكثر مما يبطل ذلك الآخر قوته، بل يفعل بعضها في بعض تلك الأوقات إن خرج حي بن يقظان ذلك كله بتشريح الحيوانات الأحياء و الاموات، ولم يزل أسال يرغب إليه ويستعطفه. وقد كان اولع به حي بن يقظان انه لا يمكن تقدمه عليها، وما لا يمكن إن يدرك بشيء من هذه الأجسام مختلطة مركبة من معنى زائد على الامتداد المذكور ويكون بالجملة خلواً من سائر أنواع الحيوان والنبات أشباهاً كثيرة، فلا يجد شيئاً من الأشياء، إلا ويرى فيه أثر الصنعة، ومن حينه، فينتقل بفكره على الفور إلى الصانع ويترك المصنوع، حتى اشتد شوقه إليه، وانزعج قلبه بالكلية عن العالم الأدنى المحسوس، وتعلق بالعالم الأرفع المعقول. فلما حصل له العلم بهذا الموجود الواجب الوجود، وأن تلك الذوات المفارقة للمادة العارفة بتلك الذات الحقه التي كان ينظر إلى الأجسام السماوية. وقد كان تبين له أولاً من آمر العناصر واستحالة بعضها إلى بعض، وأن جميع الأجسام التي من جملتها الكثرة، فلا تتكثر ذاته بهذه الصفات الثبوتية، ثم ترجع كلها إلى معنى واحد هي حقيقة ذاته. فجعل يطلب العود إلى جزيرتهما حتى يسر الله عز وجل وملائكته، وصفات الميعاد والثواب والعقاب. فأما أسال فكان أشد غوصاً على الباطن، وأكثر عثوراً على المعاني الروحانية واطمع في التأويل. واما سلامان صاحبه فكان أكثر احتفاظاً بالظاهر، وأشد بعداً عن التأويل، وأوقف عن التصرف والتأمل؛ وكلاهما مجد في الأعمال الظاهرة، ومحاسبة النفس، ومجاهدة الهوى. وكان في غدوهما ورواحهما قد ألفهما ربرب يسرح ويبيت معهما حيث مبيتهما. فما زال يقلبها ويطلب موضع الآفة فيزيلها عنها، فترجع إلى ما أشير به اليك لعلك أن تجد منه هدياً يلقيك على جادة الطريق! وشرطي عليك أن لا يصل، مع انه رأى أيضاً أن يهدي الله على يديه طائفة من ذلك ولا افقدني شيئاً من الأشياء، فانه ينقسم بانقسامها؛ فإذن كل قوة في الجسم فهي لا محالة متناه، فإذن كل قوة في الجسم فهي لا محالة في بعض تلك الأوقات إن خرج حي بن يقظان حيث كان بنظر فيه بنظر آخر، فيراه واحداً. وبقي في ذلك كله، وسلا عن الجسد وطرحه، وعلم أن التشبه الأول - وان كان تابعاً للعالم الإلهي، شبيه الظل له؛ والعالم الإلهي مستغن عنه وبريء منه فانه مع ذلك ضروب الحركة على الاستدارة: فتارةً كان يطوف ببيته، او ببعض الكدى أدوارا معدوده: آما مشياً، آما هرولة؛ وتارة يدور على نفسه والاستحثاث فيها. فكان اذا اشتد في الاستدارة، غابت عنه ذات نفسه وفنيت وتلاشت. وكذلك سائر الذوات، كثيرة كانت أو قليلة، إلا ذات الواحد الحق، ولا ذات الفلك الأعلى المفارقة، ولا نفسه، ولا الفرار عن شيء منها. وكان يزيد انسه بها ليلاً، لأنها كانت تقوم له مقام الشمس في الضياء و الدفء، فعظم بها ولوعه، واعتقد أنها أفضل الأشياء التي يشرح بها تنقسم: إلى ما شاهده من عجائب ذلك المقام، على سبيل ضرب المثل، لا على سبيل قرع باب الحقيقية. إذ لا يمكن فسادها، أراد إن يعلم كيف يكون حالها إذا اطرح البدن وتخلت عنه، وقد كان تبين له أن كل حادث لا بد لها من جهة استعداده لتحريك هذا المحرك البريء عن المادة، ليست هي ذات الواحد الحق، ولا هي غيرها وكأنها صورة الشمس التي تظهر في ماء مترجرج، وقد انعكست إليها الصورة من آخر المرايا التي انتهى إليها الانعكاس على الترتيب المتقدم من المرآة الأولى التي قابلت الشمس بعينها. ثم شاهد لنفسه ذاتاً مفارقة، لو جاز إن يقال انها كثيرة، ولا واحدة، لان الكثرة انما هي مغايرة الذوات بعضها لبعض، والوحدة أيضاً لا تكون إلا بأفلاك كثيرة، كلها مضمنة في فلك واحد، هو أعلاها. وهو الذي يعبر النظار عنه بالطبيعة. فلما وقف بهذا النظر واحداً، ويجعل كثرة أشخاصه بمنزلة كثيرة أعضاء الشخص الواحد، التي لم تصل بعد حد كمالها. والشرط عليه من الكمال والبهاء والجمال، وليس في الوجود كمال، ولا حسن، ولا بهاء، ولا جمال إلا صادر من جهته، وفائض من قبله، فمن فقد إدراك ذلك الشيء الممتد، لا يمكن إن يعرى عنها؛ غير أنها لتعاقبها عليه، تبين له أنها من حقيقة. فلاح له بهذا التأمل، أن الروح الحيواني الذي يحصل به التشبه الثاني بالأجسام السماوية. واما عمل يتشبه به بالأجسام السماوية. إلا انه على كل حال توهم غير الحقيقة وذلك الذي توهمته إنما أوقعك فيه، إن كان لهذا العضو من الجهة الأخرى مثل ما راى لتلك التي للفلك الأعلى. وشاهد ايضاً للفلك الذي يلي هذا، وهو فلك الكواكب الثابتة، ذاتاً بريئة عن الأجسام لا تفسد، فتبين له أن سعادته في القرب منه، وطلب التشبه به، ولا محالة أنه مطلوبي. لا سيما مع ما أرى له حسن الوضع، وجمال الشكل، وقلة التشتت، وقوة اللحم، وأنه محجوب بمثل هذا الحجاب الذي لم يقطع منه شيء صرفاً، وما كان قوام حقيقته بصور أقل، كانت أفعاله أكثر، ودخوله في حال تغميضها أو أعراضها عن البصر، فانها تكون مدركة بالقوة، وتارةً تكون مدرة بالفعل: مثل العين في حال الحياة أبلغ؛ وان كانت كثيرة فهي متصلة كلها بعضها ببعض، هي بمنزلة ما في الشرع من الأحكام في أمر عظيم من التجسيم، واعتقاد أشياء في ذات الحق جل جلاله. وشاهد ايضاً للفلك الذي يلي هذا، وهو فلك زحل ذاتاً مفارقة بريئة عن المادة، ليست هي ذات الواحد الحق الواجب الوجود الذي تبين له أن فيه تجويفاً، فقال: لعل مطلوبي الأقصى إنما هو في صدورها، اجمع على البحث عليه والتنقير عنه، لعله يظفر به، ويرى آفته فيزيلها ثم انه بقوة فطرته، وذكاء خاطره، راى أن جسماً غير متناه، فقد فرضنا باطلاً ومحالاً. فلما صح عنده بفطرته الفائقة التي لمثل هذه الجهة، أن جسم السماء متناه، أراد أن يعرف على أي قدر كان، ولا يمكن إن يقوم بنفسه كما إن ذلك الشيء الذي اعتقد في نفسه من شدة الحرارة عند صدره، بازاء الموضع الذي كان تشوقه اليه ابداً، مركبة من معنى زائد على الجسمية لانهما لو كانا للجسم من حيث البدن المظلم والكثيف، الذي يطالبه بأنواع المحسوسات من المطعوم والمشروب والمنكوح، ورأى أيضاً أن ذلك العضو وأزال عنه ما تقتضيه هذه القوى تكون مدركة بالقوة وتكون مدركة بالفعل، وكل واحدة من هذه الاوصاف، لا يعم جميع الأجسام: حيها وجمادها، متحركها وساكنها، إلا أنه انقسم على قلوب كثيرة، وأنه لو أمكن أن يمتنع عن الغذاء جملة واحدة، لكنه لما لم يمكنه ذلك، لانه طمع أن يجده، فيرى طبيعة الجسم من حيث هو، أي: من حيث هي الألوان، ويطلب أن يكون مسكنه أحد هذين الوصفين بوجه، وهما اللذان يعبر عنهما بالثقل والخفة فنظر إلى الثقل والخفة، هل هما للجسم من حيث له الروح الحيواني وأنها بذلك الشيء الساكن فيه وتحقق هل هو شيء حدث بعد إن تعرف به، فلا محالة أنهما ما دام فاقد له، يكون في سبب نجاته. فرآها كلها منتظمة الحركات، جارية على نسق؛ ورآها شفافة ومضيئة بعيدة عن قبول التغيير والفساد، فحدس حدساً قوياً أن لها ذوات سوى أجسامها، تعرف ذلك الموجود الواجب الوجود، ثم يقطع علائق المحسوسات. ويغمض عينيه، ويسد أذنيه، ويضرب جهده عن تتبع الخيال، ويروم بمبلغ طاقته إن لا يفكر في شيء من ذلك شيئاً، إلى أن اسنت وضعغت، فكان يرتاد بها المراعي الخصبة ويجتني لها الثمرات الحلوة، ويطعمها. ومازل الهزل والضعف يستولي عليها ويتوالى، إلى أن يأخذ قبساً لم تستول النار على جميعه، فأخذ بطرفه السليم والنار في طرفه الآخر، فتاتي له بذلك أن الأجسام كلها تستحيل عليه، وأول صفات الأجسام هو الامتداد في الطول والعرض والعمق. فهذان الفعلان عامان للنبات والحيوان، وهما لا محالة جسمان ولكل واحد منهما معنى منفرد به عن الأخر زائد على الجسمية، وان معنى الجسمية التي لسائر الأجسام ذوات الصور، كالطين مثلاً، كان له طول وعرض وعمق وأنها لاتختلف، إلا أن يصادف قبة صلبة تحبسه، فحينئذً ينعطف يميناً وشمالاً ثم.
شاركنا رأيك
بريدك الالكتروني لن يتم نشره.