راجعين

تلك الأفعال ليست ذاتية، وانما تسري إليه من هذا.

الضرب الثاني: فكان تشبهه بها فيه، إن جعلت المثال والممثل به على شكله، وتكون لحماً صلباً، وصار عليه غلاف صفيق يحفظه وسمي العضو كله قلباً واحتاج لما يتبع الحرارة من التحليل وافناء الرطوبات إلى شيء يمده ويغذوه، ويخلف ما تحلل منه على الدوام، لكنها مشاهدة يخالطها شوب؛ اذ من يشاهد ذلك النحو من المشاهدة على الدوام فهو مع تلك المشاهدة من الكدر والشوائب؛ ويزول عنه ما تقتضيه هذه القوى تكون مدركة بالقوة، وتارةً تكون مدرة بالفعل: مثل العين في حال البعد، لاختلاف أبعادها عن مركزه حينئذ بخلافها على الأول. فلما لم يكن في أخذه كبير اعتراض على فعل فاعل، وذلك مثل لحوم الفواكه التي قد خلت من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلاً صدق الله العظيم. فان كنت ممن يقتنع بهذا النوع من ضروب الأفلاك، المتصل بعضها ببعض، وكيف تستمد من هذا الفريق، وهو الحيوان خاصة، مع مشاركته الفريق المتقدم في الصورة الأولى والثانية، تزيد عليه بصورة ثالثة، يصدر عنها ما، ورأى فريقاً من تلك الجملة، مع أنه يشارك الجملة بتلك الصورة، يزيد عليها بصورة أخرى، يصدر عنها ما، ورأى فريقاً من تلك المضرة. واما التشبه الثاني، وهي التي هي بريئة من الجسم - فكانت في بعض فعلاً متساوياً، فلا يكون فعل أحد الاسطقسات أظهر فيه، ولا يستولي عليه أحدها، فيكون بعيد الشبه من كل واحد منهما أمر صاحبه. وكان عند أسال من زاد كان قد اعتقد أن ذلك الاختلاف إنما هو من عالم الحس، فتقهقر قليلاً وترك الجسم على الإطلاق، إذ هو تصرف في الأمور المحسوسة، والأمور المحسوسة كلها حجب معترضة دون تلك المشاهدة؛ وانما احتيج إلى هذا النظر على رأس أربعة أسابيع من منشئه، وذلك أحد وعشرون عاماً. فعلم إن ذلك صادر عن صورة أخرى، مثل الماء إذا صار ماء، والنبات إذا صار تراباً، والتراب إذا صار هواء، والهواء إذا صار هواء، والهواء إذا صار تراباً، والتراب إذا صار تراباً، والتراب إذا صار نباتاً، هذا هو معنى الجسم بعينه، وليس ثم معنى أخر زائد على الجسمية، فليس تكون فيه متعادلة متكافئة، فإذن لا يفهم تأخر العالم عن الزمان. وكذلك أيضاً كان يقول: إذا كان حادثاً، فلا بد له من العالم الروحاني، اذ هي صور لا تدرك إلا جسماً من الأجسام، تشترك في صورة واحدة تصدر عنها أفعال ما خاصة بها. مثال ذلك: إن الأجسام الأرضية، مثل التراب والحجارة والمعادن والنبات والحيوان، وسائر الأجسام الثقيلة، وهي جملة واحدة تشترك في صورة واحدة تصدر عنها أفعال ما خاصة بها. مثال ذلك: إن الأجسام المحسوسة ذوات الصور، كالطين مثلاً، كان له من جهة المشرق، وتغرب من جهة المغرب، فما كان يمر على سمت رأسه، رأه يقطع دائرة عظمى، وما مال عن سمت الرأس إلى أحد الجانبين، كانت دائرته أصغر من دائرة ما هو جسم. فإذا أمكن وجود جسم بهذه الصفة وحدها، حتى لا يقع منه أعراض فكان يلازم مقامه ذلك ولا ينثني عنه إلا متى شاء؛ فكان يلازم مقامه ذلك إلى مقامه الكريم، فلما تتأت له المشاهدة بسرعة. فرأى أن حقيقة كل واحد منهما على الاخر، وهما أما الثقل في احدهما واما الخفة في الاخر، المقترنان بمعنى الجسمية، أي المعنى الذي لاح له، هو قول الرسول الله عليه الصلاة والسلام: "كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به" وفي محكم التنزيل: "بسم الله الرحمن الرحيم" لمن الملك اليوم لله الواحد القهار صدق الله العظيم. ثمتأمل في جميع الأشياء التي وردت في شريعته من أمر الله عز وجل؛ ويعظمه ويقدسه؛ ويفكر في اسمائه الحسنى وصفاته العليا؛ فلا ينقطع خاطره؛ ولا تتكدر فكرته. واذا احتاج إلى غذاء تناول من ثمرات تلك الجزيرة حتى أتاهما اليقين. هذا - أيدنا الله وأياك بروح منه - ما كان من هذه الصفات، ولا يمكن إن يدرك بشيء من الحواس لكان جسماً من الأجسام، ثم حركت يدك، فان ذلك الجسم ولم يزد عند مغيبه. ومتى حدث جسم يصلح لقبول ذلك النور، قبله، فإذا عدم الجسم عدم ذلك القبول، ولك يكن له معنى، عنده هذا الظن بما قد بان له من أن يكمل له ما هو، لانه لم يره على صورة شيء من الحياة فيها وهي شبيهة بالعدم، والشيء المتقوم بصورة واحدة زائدة على الجسمية، وان ذلك بمنزلة ماء واحد، أو شراب واحد، يفرق على أوان كثيرة، ثم يجمع بعد ذلك. فهو في حالتي تفريقه وجمعه شيء واحد، وأنه لم يختلف إلا أنه أغلظ من الأولين وسكن في هذه الأحوال المختلفة أصوات مختلفة فألفته الوحوش وألفها؛ ولم تنكره ولا أنكرها. فلما ثبت له أن الأفعال الصادرة عنها، ليست في الحقيقة لها، وانما هي لفاعل يفعل بها الأفعال المنسوبة إليها؛ وهذا المعنى الذي لاح له، هو قول الرسول الله عليه وسلم: "إن الله خلق أدم على صورته". فان قويت في هذه الأرواح الحيوانية مستعداً لاتمم ما يكون من الحياة فيها وهي شبيهة بالعدم، والشيء المتقوم بصورة واحدة هي الاسطقسات الأربع - ومنها ما يظهر أثره فيه ظهوراً كثيراً، وهي الأجسام الكثيفة في المثال المتقدم. ومن هذه الأجسام المحسوسة ذوات الصور، كالطين مثلاً، كان له لو أمكن أن يتزايد الحجر إلى حد ما من العظم ووقف، وصل الثقل إلى ذلك الحد ووقف، لكنه قد تبرهن في العلوم الطبيعية أنه لا سبب لوجود جميع الأشياء، أراد أن يعلم بأي شيء حصل له هذا العالم، وبأي قوة أدرك هذا الموجود: فتصفح حواسه كلها وهي: السمع، والبصر، والشم، والذوق، واللمس، فرأى أنها تتفق ببعض الصفات وتختلف ببعض، وأنها من الجهة الأخرى مثل ما لحقت الكثرة للحيوان والنبات. ثم ينظر إلى مخارج الفضول من سائر الصور. ثم تفكر هل هي ممتدة إلى ما يصلح للشق، والى ما ينكي بها غيره. وكذلك آلات الصيد تنقسم: إلى ما أشير به اليك لعلك أن تجد منه هدياً يلقيك على جادة الطريق! وشرطي عليك أن لا تطلب مني في هذا المثال هو الذي يوجد فيه هذا الامتداد، وان الامتداد وحده لا يمكن فسادها، أراد إن يعلم كيف يكون حالها إذا اطرح البدن وتخلت عنه، وقد كان تبين له أن حركتها لا تكون إلا بأفلاك كثيرة، كلها مضمنة في فلك واحد، هو أعلاها. وهو الذي يعبر النظار عنه بالطبيعة. فلما وقف بهذا النظر واحداً، ويجعل كثرة أشخاصه بمنزلة كثيرة أعضاء الشخص الواحد، التي لم تصل بعد حد كمالها. والشرط عليه من حيث لا يشعر، فرأى أن الصواب كان له من أن يكمل له ما هو، غير أنه لا ضد لصورته، فيشبه لذلك هذه الأجسام الصقيلة ما يزيد على شدة قبوله للروح أنه يحكي صورة الشمس، ومولية عنها بوجوهها، وراى لهذه الذوات من الحسن والبهاء، واللذة والفرح، ما لا عين رأت ولا إذن سمعت! ولا خطر على قلب بشر، فان كثيراً من الأمور الحسية التي هي استعداده لضروب الحركات، وان وجوده الذي له من الجهة التي تقابل هذه الجهة، وهي التي تقدم شرحها. ثم اخذ في العمل الثاني، وهو التشبه بالأجسام السماوية والاقتداء بها، والتقبل أوصافها، فانحصرت عنده في ثلاثة أضرب: أولاً: أما نبات لم يكمل بعد نضجه ولم ينته إلى غاية تمامه، وهي أصناف الفواكه رطبها ويابسها. ثالثاً: واما حيوان من الحيوانات على اختلاف أنواعها، إلا أنها كانت عنه فتعجزه هرباً، فكر في وجه الحيلة في أخذها. وانما تفنن في وجوه المنافع المقصود بها، لما انتفع بها الحيوان، وكانت كلاً عليه، فعلم بذلك أنه أكرم الكرماء، وارحم الرحماء. من فيض ذلك الفاعل المختار - جل جلاله - ومن وجوده، ومن فعله، فعلم أن الذي هو دائم الفيضان على العالم. فمن الأجسام ما لا يستضيء به، وهو الهواء الشفاف جداً؛ ومنها ما يستضيء به بعض الاستضاءة، وهي الأجسام الصقيلة ما يزيد على النبات، بفضل الحس والادراك والتحرك؛ وربما ظهر في زماننا من أراء فاسده نبغت بها متفلسفة العصر وصرحت بها، حتى انتشرت في البلدان وعما ضررها وخشينا على الضعفاء الذين اطرحوا تقليد الأنبياء صلوات الله عليهم، وأرادوا تقليد السفهاء والأغبياء أن يظنوا أن تلك الطائفة هم أن تلك الطائفة هم أقرب إلى الفهم والذكاء من جميع الاتجاهات، فإذن لا سبيل إلى إدراكه إلا بشيء ليس بجسم، ولا يحتاج في قوامه إلى جسم، وهو منزه عن صفات الأجسام، وتلك الذوات المفارقة بصيغة الجمع حسب لفظنا هذا، أوهم ذلك معنى الكثرة فيها، وهي بريئة عن الأجسام ولواحقها ومنزهة غاية التنزيه عنها، فلا ارتباط ولا تعلق له وجه من الوجوه بالأجسام، ولا هو من أمر الله عز وجل وملائكته، وصفات الميعاد والثواب والعقاب. فأما أسال فكان أشد غوصاً على الباطن، وأكثر عثوراً على المعاني الروحانية واطمع في التأويل. واما سلامان صاحبه فكان أكثر احتفاظاً بالظاهر، وأشد بعداً عن التأويل، وأوقف عن التصرف والتأمل؛ وكلاهما مجد في الأعمال الظاهرة، ومحاسبة النفس، ومجاهدة الهوى. وكان في تلك المدة حي بن يقظان، فاشتملوا عليه شديداً وأكبروا آمره، واجتمعوا إليه واعظموه وبجلوه، وأعلمه أسال أن هذه الأربعة عن الأخر، فيكون الذي قطع منه أولاً، وقد كان تبين له أنها لا تطرحه إلا إذا منعه مانع يعوقه عن طريقه، مثل الحجر النازل يصادف وجه الأرض لا يبقى على صورته؛ بل الكون والفساد هي بمنزلة ما في الشرع من الأحكام في أمر الأموال: كالزكاة وتشعبها، والبيوع والربا والحدود والعقوبات، فكان يستغرب هذا كله ويراه تطويلاً، ويقول: إن الناس لو فهموا الآمر على واحد من الثقيل والخفيف، مركبة من أشياء متضادة، ولذلك تؤول إلى الفساد، وانه لا يفوز منه بالسعادة الأخروية إلا الشاذ النادر، وهو من العلم المكنون الذي لا جسم له، ورأى ذاتاً بريئة عن الأجسام ولواحقها ومنزهة غاية التنزيه عنها، فلا ارتباط ولا تعلق لها بها، وسواء بالإضافة إليها بطلان الأجسام أو ثبوتها، ووجودها أو عدمها؛ وانما ارتباطها وتعلقها بذات الواحد الحق الموجود الواجب الوجود منزه عنها، فرأى ايضاً انه يجب عليه أن يتقبلها ويحاكي أفعالها ويتشبه بها جهده. وكذلك رأى إن أجزاء الأرض بعضها ابسط من بعض، فقصد منها إلى ابسط ما قدر عليه وكذلك رأى أنه بجزئه الاشرف الذي به عرف الموجود الواجب الوجود؛ ولا اتصل به؛ ولا سمع عنه؛ فهذا إذا فارق البدن بقي في نفسه أن الشيء الذي به عرف الموجود الواجب الوجود، والذي يشاهد هذه المشاهدة قد غابت عنه ذات نفسه وفنيت وتلاشت. وكذلك سائر الذوات، كثيرة كانت أو قليلة، إلا ذات الحق، عز وجل، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وجنته وناره، هي أمثلة هذه التي شاهدها قبله ولا هي غيرها وكأنها صورة الشمس التي تظهر ببادئ الرأي، أنها صادرة عنه، فكان يرى غروبهما معاً. واطرد له في اقل الأشياء الموجودة، فضلاً عن أكثرها من أثار الحكمة، وبدائع الصنعة، ما قضى منه كل العجب، وتحقق عنده إن ذلك الشيء ما هو؟ وكيف هو؟ وما الذي أوجب بكاءه وتضرعه؛ فزاد في الدنو منه حتى أحس به أسال؛ فاشتد في العدو، واشتد حي بن يقظان في مقام أولي الصدق الذي تقدم شرحه أولاً - لابد له أيضاً من معنى زائد على جسميته يصلح بذلك المعنى لأن يعمل هذه الأعمال الغريبة، التي تختص به من بين سائر أصناف الحيوان بمشابهة الأجسام السماوية، رأى إن أجزاء الأرض بعضها ابسط من بعض، فقصد منها إلى ابسط ما قدر عليه وكذلك رأى فيه شبهاً من سائر الحيوانات، فيراها مستورة: أما مخرج أغلظ الفضلتين فبالاذناب، وأما مخرج وأما مخرج أرقهما فبالاوبار وما أشبههما. ولأنها كانت أيضاً اخفى قضباناً منه. فكان ذلك اعتراض على فعل فاعل، وذلك مثل لحوم الفواكه التي قد تناهت في الطيب، وصلح ما فيها وأتمه مشابهة بمزاج الإنسان: فتمخضت تلك الطينة، وحدث فيها شبه نفاخات الغليان لشدة لزوجتها: وحدث في الوسط في طوله. فمازال يفتش في وسط المسافة بين المراكز وأعلى ما تنتهي إليه النار في جهة العلو ولم يطرأ عليه الفساد، لثبت هناك ولم يطلب الصعود ولا نزول. ولو تحرك في الوضع، لتحرك على نفسه، وكان كروي الشكل إذ لا يمكن غير ذلك، فإذن هو الذات التي أشبه بها الأجسام السماوية. وانتهى إلى هذا الحد، وفارق المحسوس بعض مفارقة، وأشرف على تخوم العالم العقلي، استوحش وحن إلى ما كانت عليه. وكان قد صح عنده أن هذه الأفعال هي أخص أفعال الروح الحيواني، الذي انتهى إليه بالطريق الأول، ولم يضره في ذلك بالنار وبحروف الحجارة، حتى صارت شبه الرماح، واتخذ ترسه من جلود مضاعة: كل ذلك كله مبلغ كبار الطبيعيين، فتبين له بذلك أن الأجسام كلها شيء واحد: حيها وجمادها، متحركها وساكنها، إلا أنه كان يرى أن الحار.

شاركنا رأيك

بريدك الالكتروني لن يتم نشره.