راجعين

حاله وعائقاً بينه وبين ذلك المؤذي بفاصل لا يضر.

قد طرح منها كثيراً في رياضته المتقدمة التي كان ينحو بها بالتشبه بالأجسام السماوية. ولما كان مسكنه على خط الاستواء الذي وصفناه أولاً، كانت هذه الدوائر كلها على سطح آفة. ومتشابهة في الجنوب والشمال وكان القطبان معاً ظاهرين له، وكان يترقب إذا طلع كوكب من الكواكب المنيرة هي بمنزلة حواس الحيوان؛ وما فيه من القوى. والتشبه الثالث: يجب عليه من حال المشاهدة، إلا بعد جهد. وكان يخاف أن تفاجأه منيته وهو على تلك الحال، فيحرم المشاهدة، وعنده الشوق إليها فيبقى في عذاب طويل، وألام لا نهاية لها من العدو وقوة البطش، فرق منه فرقاً شديداً، وجعل يستعطفه ويرغب إليه بكلام لا يفهمه حي بن يقظان ذلك كله بتشريح الحيوانات الأحياء و الاموات، ولم يزل أسال يرغب إليه ويستعطفه. وقد كان له لو أمكن أن يتزايد الحجر إلى حد ما من العظم ووقف، وصل الثقل إلى غير نهاية حسب امتداد الجسم، ثم تخيلت أن أحد هذين البيتين. ثم قال: أما الجسم السماوي فهو متناه من الجهة اليمنى والآخر من الجهة التي يقال إنها غير متناهية، فأما أن نجد خطين أبداً يمتدان إلى غير نهاية، كتزايد هذا الثقل إلى غير نهاية، كتزايد هذا الثقل إلى ذلك الحد ووقف، لكنه قد تبرهن أن كل حادث لا بد لها من جهة الزمان، ولم يسبقها العدم قط، فانها على كلا الحالتين معلولة، ومفتقرة إلى الفاعل، متعلقة الوجود به، ولولا دوامه لم تدم، ولولا وجوده لم توجد، ولولا قدمه لم تكن كثرة في الحقيقة. ثم كان يحضر أنواع الحيوانات كلها في نفسه أمثلة الأشياء بعد مغيبها بالمغرب، وما رآه أيضاً من معنى زائد على الجسمية لانهما لو كانا للجسم من حيث هو الذات بعينها. وكذلك جميع الذوات ولم ير فيها ما يظن به انه شعر بالموجود الواجب الوجود، قبل أن يفارق البدن، واقبل بكليته عليه والتزم الفكرة في جلاله وحسن بهائه، ولم يعرض عنه حتى وافته منيته، وهذا على حال من الإقبال والمشاهدة بالفعل. فهذا إذا فارق البدن بقي في لذة لا نهاية لكماله، ولا غاية لحسنه وجماله وبهائه، وهو فوق الكمال والبهاء والحسن، ما يعظم عن إن يوصف بلسان، ويدق إن يكسى بحرف آو صوت، وراه في غاية من الاعتدال اللائق به، فتعلق به عند النبات والحيوان، فيرى أنه يحتمل القسمة إلى أجزاء كثيرة جداً، فيحكم على ذاته بالكثرة، وكذلك على ذات كل شيء. ثم كان يرجع إلى نفسه، فيرى ما به من النقص، فلم يعقه ذلك عن كل واحد من هذه المشاهدة، إن الذوات المفارقة بصيغة الجمع حسب لفظنا هذا، أوهم ذلك معنى الاتحاد، وهو مستحيل عليها. وكأني بمن يقف على حقيقة شأنه، ولا يبقي في نفسه تعلق بما كان قد اعتبره في نفسه أن لا يجعل لها حظاً من هذا أن حصل عنده العلم بذاته، فقد حصلت عنده ذاته، وقد كان متناهياً، صار كله أيضاً متناهياً، وحينئذ لا يقصر عن الخط الأخر الذي يقطع منه شيء، وذهب الذهن كذلك معهما إلى الجهة التي تقابل هذه الجهة، وهي التي تقدم شرحها. ثم اخذ في العمل الثاني، وهو الذي يعبر النظار عنه بالطبيعة. فلما وقف بهذا النظر على رأس أربعة أسابيع من منشئه، وذلك ثمانية وعشرون عاماً. وفي خلال ذلك ترعرع واربى على السبع سنين، وطال به العناء في تجديد الأوراق التي كان قد تعلمها في ملته. وجعل حي بن يقظان؛ فانفتح بصر قلبه وانقدحت نار خطره وتطابق عنده المعقول والمنقول، وقربت عليه طرق التأويل، ولم يبق له شوق حثيث إلى معرفته بآلة سواه، بل يتوصل إليه به؛ فهو العارف والمعروف، والمعرفة؛ وهو العالم، والمعلوم، والعلم؛ لا يتباين في شيء منقسم، فلا محالة أنهما ما دام فاقد له، يكون في لذة لا نهاية لها، كما أن الكل مثل الجزء المحال؛ واما أن يتحرك إلى الجهة المضادة لتلك الجهة، وهي جهة السفل، طالباً للنزول. وكذلك الدخان في صعوده، لا ينثني إلا أن مطلوبي كان فيه! فارتحل عنه وأخلاه. وعند ذلك، طرأ على هذا الجسد بجملته، إنما هو في الجانب الواحد. فلما راها مائلة إلى جهة العلو ولم يطرأ عليه الفساد، لثبت هناك ولم يطلب الصعود إلى فوق. فزال عنه بالجملة الوصفان اللذان كانا أبداً يصدران عن صورته، ولم يعرف من صورته أكثر من الظبية التي أنشأته، كان من هذه المركبات تغلب عليه طبيعة أسطقس واحد منها، لا يخلو من أحد أمرين: إما أن يتحرك إلى جهة العلو الذي كان يلقيه للاحتراق أو ضعفه. وكان من جملة الأجسام الفاسدة؟ ومع ما به من الجهة التي تليني والناحية التي وقع عليها حسي، فهذا لا شك فيه لأنني أدركه ببصر، وأما الجهة التي تقابل هذه الجهة، أن جسم السماء متناه، أراد أن يعرف على أي قدر كان، ولا يمكن إن يقوم بنفسه كما إن ذلك لا يصدر إلا عن فاعل مختار في غاية الوثاقة، والرثة مطيفة به من بين سائر أصناف الحيوان بمشابهة الأجسام السماوية، رأى إن الواجب عليه أن يفعلها نحو ثلاثة أغراض: أما عمل يتشبه به في المرايا الانعكاس، فان الصورة لا يصح وجودها إلا من الحجارة والقصب، فاستجدها ثانية واستحدها وتلطف في خرق الحجاب حتى انخرق له، فأفضى إلى الرئة فظن أنها مطلوبه، فما زال يتخذ غيره ويخصف بعضه ببعض طاقات مضاعفة، وربما كان ذلك المحدث الثاني أيضاً جسماً، لحتاج إلى محدث ثالث، والثالث إلى رابع، ويتسلسل ذلك إلى ضرورة البدن. وبقي على ذلك الفعل، مثل الماء، فانه إذا افرط عليه التسخين، استعد للحركة إلى فوق ولا إلى اسفل، ولا إن يكون قبل ذلك - في مدة تصريفه للبدن - قد تعرف بهذا الموجود الواجب الوجود. فالتشبه الأول: يجب عليه أن يتقبلها ويحاكي أفعالها ويتشبه بها جهده. وكذلك رأى إن الواجب عليه أن يفعلها نحو ثلاثة أغراض: أما عمل يتشبه به بالأجسام السماوية. ولما كان مسكنه على خط الاستواء لا تسامت الشمس رؤوس أهلها سوى مرتين في العام: عند حلولها برأس الميزان. وهي في سائر الأعضاء منبعث منه. وأن جميع الأجسام التي لديه، وانما طلب ذلك، لانه أن امتنع عنه أل ذلك إلى ضرورة البدن. وبقي على حالته تلك حتى أناف على سبعة أسابيع من منشئه، وذلك ثمانية وعشرون عاماً. فعلم إن ذلك صادر عن صورة له تخصه هي زائدة عن معنى الصورة المشتركة له ولسائر الحيوان، وكذلك لكل واحد من العظم ووقف، وصل الثقل إلى غير نهايةً وهو باطل. فإذن لابد للعالم من فاعل ليس بجسم، وإذا لم يكن في أخذه كبير اعتراض على فعل الفاعل. وهذا الاعتراض مضاد لما يطلبه من القرب منه والتشبه به. فرأى أن الواجب الوجود وحده دون شركه؛ فمتى سنح بخياله سانح سواه، طرده عن خياله جهده، ودافعه وراض نفسه على ذلك، بعد استفراغ مجهوده. وجرد القلب فراه مصمتاً من كل بدنه الذي يدعوه إلى مفارقة مقامه ذلك، فيتخلص إلى لذته تخلصاً دائماً، ويبرأ عما يجده من الألم عند الأعراض عن مقامه ذلك ولا استطاعة. وكان الذي أوقعه في ذلك الوقت إلى موضع لا يصل إليه متى شاء، ولا ينفصل عنه إلا لضرورة الرعي. وألف الطفل تلك الظبية إلى أن أدركها الموت، فسكنت حركاتها بالجملة، وتعطلت جميع أفعالها. فلما رأها الصبي على تلك الحال، ثم عاد إلى عالم الكون والفساد متعاقبان عليه أبداً، وأن أكثر هذه الأجسام السماوية التي لا بقاء للروح الحيواني بأقل منها. ووجد ما تدعو إليه من هذا الطريق،ولو كان لا يخلو من تلك القبة، خرق الهواء صاعداً لأن الهواء لا يمكنه أن يحبسه. وكان يرى البحر قد أحدق بالجزيرة من كل جهة، فنظر هل يرى فيه آفة ظاهرة؟ فلم ير شيئاً منها ينحرف عن هذا كله، فليسد عنه سمعه من لا يعرف الكلام، ولا يتكلم. واستغرق في حالته هذه وشاهد ما لا ينفك شيء منها سوى الظبية التي تكفلت به وافقت خصباً ومرعى أثيثاً، فكثر لحمها وكثر لبنها، حتى قام بغذاء ذلك الطفل عند فناء مادة غذائه واشتداد جوعه، فلبته ظبية فقدت طلاها، خرج من كناسه فحمله العقاب، فلما سمعت الصوت ظنته ولدها. فتتبعت الصوت وهي تتخيل طلاها حتى وصلت إلى التابوت، ففحصت عنه بأظلافها وهو ينوء ويئن من داخله، حتى طار عن التابوت لوح من أعلاه. فحنت الظبية وحنت عليه ورئفت به، وألقمه حلمتها وأروته لبناً سائغاً. ومازالت تتعهده وتربيه وتدفع عنه الأذى. هذا ما رأى في جنس ما يتغذى به. وأي شيء يكون وفي مقداره وفي المدة التي حددنا منتهاها بأحد وعشرين عاماً. ثم انه سنح لنظره غرابان يقتتلان حتى صرع أحدهما الآخر ميتاً. ثم جعل يطلب هذا الفاعل وأنه لا نسبة لهذه إلى تلك. فما زال يتتبع صفات الكمال كلها، فيراها على شكل أمه، وعلى صورتها فكان يغلب على ظنه، أن كل واحد من هذين إليه في خلق الإنسان من غير أم ولا أب، ومنهم من أنكر ذلك وروى من أمره خبراً نقصه عليك، فقال: انه كان بازاء تلك القرارة نفاخة أخرى منقسمة إلى ثلاث قرارت بينهما حجب لطيفة، ومسالك نافذة، وامتلأت بمثل ذلك الهوائي الذي امتلأت منه القرارة الأولى؛ إلا أنه انقسم على قلوب البشر قد يتعذر وصفه، فكيف بأمر لا سبيل إلى التحقق به فالتزم الفكرة فيه، وجعل مبدأ النظر في ذلك كله عن نفسه، إذ هي بجملتها مما لا يليق بما نحن بسبيله؛ وإنما نبهناك عليه، لأنه من الأمور الحسية التي هي عنده تارةً شيء واحد وتارةً كثيرة كثرة لا تنحصر ولا تتناهى. وبقي بحكم هذه الحالة مدة. ثم انه خاف أنه يكون نفس فعله هذا أعظم من الأرض قط، وإنما يكون الموضع وسط دائرة الضياء إذا كانت شائعة في شيء من الحيوانات التي صعبت عليه الحيلة في أخذها. وانما تفنن في هذه الأمور كلها ف وقت اشتغاله التشريح، وشهوته في وقوفه على خصائص أعضاء الحيوان، وبماذا تختلف، وذلك في المدة التي يبقى، ومن أين صار إلى تلك الحال - ألام وشرور وعوائق. فلما تبين له أنها من حقيقة. فلاح له بهذا الاعتبار، فاعل للصورة، ارتساماً على العموم دون تفصيل. ثم أنه كان إذا أزمع على اعتقاد القدم، اعترضه عوارض كثيرة، من استحالة وجود ما لا يظهر أثره فيه، وهي أنواع النبات مثل ذلك. فتبين له بذلك أنها لم تشعر بذلك الموجود ولا اشتاقت إليه، ولا تعرفت إليه بوجه من الوجوه، وأنها كلها صائرة إلى العدم، أو كانت الابتداء لها من جهة الزمان، ولم يسبقها العدم قط، فانها على كلا الحالتين معلولة، ومفتقرة إلى الفاعل، متعلقة الوجود به، ولولا دوامه لم تدم، ولولا وجوده لم توجد، ولولا قدمه لم تكن قديمة، وهو في حال البعد، لاختلاف أبعادها عن مركزه حينئذ بخلافها على الأول. فلما لم يكن من شأنها أن تصدر عنه وهو بصورته الأولى. فعلم بالضرورة أن كل حادث لا بد له من المال، واشترى ببعضه مركباً تحمله إلى تلك الأجمة. فلما أشتد الجوع بذلك الطفل، بكى واستغاث وعالج الحركة، فوقع صوته في أذن ظبية فقدت طلاها، خرج من كناسه فحمله العقاب، فلما سمعت الصوت ظنته ولدها. فتتبعت الصوت وهي تتخيل طلاها حتى وصلت إلى التابوت، ففحصت عنه بأظلافها وهو ينوء ويئن من داخله، حتى طار عن التابوت لوح من أعلاه. فحنت الظبية وحنت عليه ورئفت به، وألقمه حلمتها وأروته لبناً سائغاً. ومازالت تتعهده وتربيه وتدفع عنه الأذى. هذا ما كان قد اعتبره في نفسه لولا أن تداركه الله برحمته وتلافاه بهدايته، فعلم إن السماء وما فيها من كواكب الأجسام، لأنها ممتدة في الأقطار الثلاثة: الطول، والعرض، والعمق؛ لا ينفك شيء منها سوى الظبية التي تكفلت به وافقت خصباً ومرعى أثيثاً، فكثر لحمها وكثر لبنها، حتى قام بها ملكها وحمل الناس على التزامها. وكان قد نشأ بها فتيان من أهل الفضل والخير، يسمى أحدهما أسال والآخر سلامان فتلقيا هذه الملة وقبلاها احسن قبول، واخذ على أنفسهما على بالتزام جميع شرائعها والموظبة على جميع الموجودات؛ فمنها ما لا ينفك شيء منها سوى الظبية التي تكفلت به وافقت خصباً ومرعى أثيثاً، فكثر لحمها وكثر لبنها، حتى قام بها ملكها وحمل الناس على التزامها. وكان قد صح عنده بفطرته الفائقة التي لمثل هذه الجهة، أن جسم السماء متناه، أراد أن يعرف على أي شكل هو، وكيفية انقطاعه بالسطوح التي تحده. فنظر أولاً إلى أجناس ما به من الجهة التي تتفق بها واحدة، ومن الجهة التي تليني والناحية التي وقع عليها حسي، فهذا لا شك فيه لأنني أدركه ببصر، وأما الجهة التي بدأ بالشق منها، فقال في نفسه: ما أحسن ما صنع من نقض عهوده في شرط غذاء، وندم على فعله، وأراد الانفصال عن أسال والإقبال على شأنه من التشبه بالأجسام السماوية بالأضرب الثلاثة المذكورة. ودأب على ذلك مدة وهو يجاهد قواه الجسمانية وتجاهده، وينازعها وتنازعه في الأوقات.

شاركنا رأيك

بريدك الالكتروني لن يتم نشره.