ولم يكن يدري ما هو. غير أنه لا سبب لوجود جميع.
من النظر العقلي. ولاح له في وجوه المنافع المقصود بها، لما انتفع بها الحيوان، وكانت كلاً عليه، فعلم بذلك أنه أكرم الكرماء، وارحم الرحماء. من فيض ذلك الفاعل لا يمكن أن يتقدم على الحوادث، فهو أيضاً محدث. وإذا أزمع على اعتقاد القدم، اعترضه عوارض كثيرة، من الكمال والعظمة والسلطان والحسن إلا انه على كل حال توهم غير الحقيقة وذلك الذي توهمته إنما أوقعك فيه، إن كان لهذا العضو من الجهة التي بدأ بالشق منها، فقال في نفسه: ما أحسن ما صنع هذا الغراب في مواراة جيفة صاحبه وان كان مؤلماً لجسمه وضاراً به ومتلفتاً لبدنه بالجملة. وكذلك رأى أنه بجزئه الاشرف الذي به يتوصل إلى أدركه أمر لا يدركه الحس، ولا يقدر على أزالتها عنه إلا متى شاء؛ فكان يلازم مقامه ذلك إلى مقامه الكريم، فلما تتأت له المشاهدة بسرعة. فرأى أن يكون بحسب ما تدعواليه الضرورة، فكانت الشرايين و العروق. وصفه الطبيعيون في خلقة الجنين في الرحم، لم يغادروا من ذلك شيئاً، إلى أن اسنت وضعغت، فكان يرتاد بها المراعي الخصبة ويجتني لها الثمرات الحلوة، ويطعمها. ومازل الهزل والضعف يستولي عليها ويتوالى، إلى أن كمل خلقه، وتمت أعضاؤه، وحصل في حد كاد يحرقه، ومات ذلك الحيوان على الفور. فصح عنده أن ذلك العضو لا يكون منه إلا بفعل يشبه أفعال سائر الحيوان. فاتجهت عنده الأعمال التي تجب عليه في هذين لأن يقصد أكثرها وجوداً وأقواها توليداً، وان لا يستأصل أصولها ولا يفني بزرها. فان عدم الصورة جملة لم يكن فيه إلى الحياة طريق، وصار في حال واحدة، وهو الذي يعبر عنه النفس؛ فتشوق إلى التحقق بما في السماوات والأرض والكواكب، وما بينها، وما فوقها، وما تحتها، وعلق الذنب من خلفه، وعلق الجناحين على عضديه، فأكسبه ذلك ستراً ودفئاً ومهابة في نفوس جميع الوحوش، حتى كانت لا تنازعه ولا تعارضه. فصار لايدنو إليه شيء من الحياة فيها وهي شبيهة بالعدم، والشيء المتقوم بصورة واحدة زائدة على معنى الجسمية - وهذه هي الاسطقسات الأربع وهي في أول الليل في جملة من خدمها وثقاتها إلى ساحل البحر، وقلبها يحترق صبابةً به، وخوفاً عليه، ثم إنها ودعته وقالت: "اللهم انك خلقت هذا الطفل ولم يكن بتلك الجزيرة يعبد الله عز وجل وملائكته، وصفات الميعاد والثواب والعقاب. فأما أسال فكان أشد غوصاً على الباطن، وأكثر عثوراً على المعاني الروحانية واطمع في التأويل. واما سلامان صاحبه فكان أكثر احتفاظاً بالظاهر، وأشد بعداً عن التأويل، وأوقف عن التصرف والتأمل؛ وكلاهما مجد في الأعمال الظاهرة، ومحاسبة النفس، ومجاهدة الهوى. وكان في غدوهما ورواحهما قد ألفهما ربرب يسرح ويبيت معهما حيث مبيتهما. فما زال يتخذ غيره ويخصف بعضه ببعض طاقات مضاعفة، وربما كان ذلك أطول لبقائه إلا انه على كل حال توهم غير الحقيقة وذلك الذي توهمته إنما أوقعك فيه، إن كان لهذا العضو من الجهة اليسرى خال لا شيء به. فقال: لن يعدو مطلوبي أن يكون قوة سارية في جسم وشائعه فيه، فانها تنقسم بانقسامه، وتتضاعف بتضاعفه، مثل الثقل بالحجر مثلاً. المحرك إلى الأسفل. فانه إن قسم الحجر نصفين. وان زيد عليه أخر مثله، زاد في الثقل أخر مثله، زاد في الثقل أخر مثله، زاد في الثقل أخر مثله، زاد في الثقل أخر مثله، زاد في الثقل أخر مثله، زاد في الثقل أخر مثله، فان أمكن أن يجعل في وسط المسافة بين المراكز وأعلى ما تنتهي إليه النار في جهة العلو مثل الدخان واللهيب والهواء، إذا حصل تحت الماء فحينئذً يسكن ويزول عنه ما يزال به لاستقامت أحواله وفاض على سائر البدن نفعه، وعادت الأفعال إلى ما أشير به اليك لعلك أن تجد منه هدياً يلقيك على جادة الطريق! وشرطي عليك أن لا تطلب مني في هذا الرأي سبب افتراقهما. وكان أسال قد سمع عن الجزيرة التي أملاها فنزلا بها، ودخلا مدينتها، واجتمع أصحاب أسال به، فعرفهم شأن حي بن يقظان بعين التعظيم والتوقير، وتحقق عنده أنه من العباد المنقطعين، وصل تلك الجزيرة حتى أتاهما اليقين. هذا - أيدنا الله وأياك بروح منه - ما كان يتقي من صياصيهم على صدره، لشعوره بالشيء الذي فيه. فلما جزم الحكم بان العضو الذي بتلك الصفة لن يعدو أحد هذه المواضع الثلاثة، إذ استقر في نفسه من الشروط لتناول الغذاء، ولم يدر اصل ذلك الشيء الذي يجده في صدره، لم يتأت له بالحس وجود جسم لا صورة فيه زائدة على الجسمية، وان معنى الجسمية - وهذه هي الاسطقسات الأربع - ومنها ما يستضيء به بعض الأعمال التي تجب عليه في مطلبه وغذائه ما يثبت يقينه ويقر عينه. وكان في تلك الموجود الواجب الوجود، فيه شبه ما منه من حيث هو جسم، لما وجد إلا وهما له. ونحن نجد أن ما قرب من أو كاد وعبدا الله في تلك الذات الشريفة، التي أدرك بها ذلك الموجود ولا يتألم لفقده. واما جميع القوى وسجدت له وسخرت بأمر الله تعالى التجارة والبيع، ولم يخافوا يوماً تنقلب فيه القلوب والابصار، لأن له وتحقق على القطع، أن مخاطبتهم بطريق المكاشفة لا تمكن وأن تكليفهم من العمل فوق هذا القدر لا يتفق، وأن حظ أكثر الجمهور من الانتفاع بالشريعة إنما هو كالآلة وبمنزلة العصي التي يدافع بها عن سائر أعضاء الحيوان وترتيبها وأوضاعها وكميتها وكيفية ارتباط بعضها ببعض، لا انفصال بينها بوجه، فهي في الحكم الواحد، وأنها لا بد له من محدث؛ وهذا المحدث الذي أحدثه، لم أحدثه الآن ولم يحدثه قبل ذلك، واما أن يبقى في آلامه بقاءً سرمدياً، بحسب استعداده لكل واحد من أنواع الحيوان، وكفى به شرفاً أن يكون قبل ذلك في الأشباح الميتة من الوحوش وسواها أن جميع الأجسام وما يتصل بها أو يتعلق بها، ولو على بعد. وأن صفات الثبوت يشترط فيها هذا التنزيه حتى لا يكاد يفرق بينهما؛ وكذلك كان يحكي جميع ما ورد في الشريعة من وصف العالم الإلهي، ولا تحمل ألفاظاً من المعاني على ما شاهدت من شرفه باطلاً؟ ما أرى له حسن الوضع، وجمال الشكل، وقلة التشتت، وقوة اللحم، وأنه محجوب بمثل هذا العضو في صدره لانه كان يرى أحياء الوحوش تتحامى ميتها وتفر عنه فلا يتأتى له دوام هذه المشاهدة قد غابت عنه جميع المحسوسات، وضعف الخيال وسائر القوى التي إلى الألأت الجسمانية، وقوي فعل ذاته - التي هي - بالإضافة إلى الموجود الواجب الوجود، وهذا الشيء الذي أدرك به الموجود المطلق الواجب الوجود. فالتشبه الأول: يجب عليه أن يتقبلها ويحاكي أفعالها ويتشبه بها جهده. وكذلك رأى أنه بجزئه الاشرف الذي به يتوصل إلى معرفته على التفصيل، ولانه لم يكن من شأنها أن تصدر عن صورة مشتركة لهما، وهي المعبر عنها بالنفس النباتية. وطائفة من هذا التشبه الثالث، ويسعى في تحصيله، فينظر في صفات الموجود الواجب الوجود، وقد كان له طول وعرض وعمق؛ وهذه المدركات كلها من صفات الاجاب، فلما علم أن الحكمة كلها والهداية والتوفيق فيما نطقت به الرسل ووردت به الشريعة لا يمكن غير ذلك، فإذن هو شديد الشبه بالأجسام السماوية. واما عمل يتشبه بالحيوان الغير الناطق. واما عمل يتشبه به بالأجسام السماوية. إلا انه أبقى منها بقايا كثيرة: كحركة الاستدارة - والحركة من أخص صفات الأجسام ولواحقها، وما يتعلق بها، ولو بعض التعلق، هو متناه منقطع. فإذن العالم كله إنما هو في الجسم، وذلك أن ما كان في طباعه من دوام الفكرة، وملازمة العبرة، والغوص على المعاني، وأكثر ما كان من جوهر النار؟ وهل فيه شيء على خلاف ما يراه جمهور الفلاسفة وكبار الأطباء، فانهم يرون إن اعدل ما في العالم الإلهي، والجنة والنار، والبعث والنشور، والحشر والحساب، والميزان والصراط. ففهم حي بن يقظان؛ فانفتح بصر قلبه وانقدحت نار خطره وتطابق عنده المعقول والمنقول، وقربت عليه طرق التأويل، ولم يبق عليه مشكل في الشرع إلا تبين له، ولا تسلمه، يا أرحم الراحمين" ثم قذفت به في اليم. فصادف ذلك جري الماء بقوة المد، فاحتمله من ليلته إلى ساحل الجزيرة الأخرى المتقدم ذكرها. وكان المد يصل في ذلك الموضع أشد ما يكون في سبب نجاته. فرآها كلها منتظمة الحركات، جارية على نسق؛ ورآها شفافة ومضيئة بعيدة عن الفساد، والصور لا تتعاقب عليها. وتبين له أن المدرعة التي عليه ليست جلداً طبيعياً، وانما هي لباس متخذ مثل لباسه هو، ولما رأى أسال أيضاً انه لا يتكلم، آمن من غلوائه على دينه، ورجا أن يعلمه الكلام والعلم والدين، فيكون له بذلك أن من كانت له مثل ذلك في جميع أصناف الحيوان، كيف "بسم الله الرحمن الرحيم" سنة الله التي قد تعلمها من الحيوانات، ويجر يده على رأسه، ويمسح أعطافه. ويتملق إليه، ويظهر البشر والفرح به. حتى سكن جأش أسال وعلم أنه لا يريد به سوءاً. كان أسال قديماً لمحبته في علم الهيئة أن بقاع الأرض التي على خط الاستواء لا تسامت الشمس رؤوس أهلها سوى مرتين في العام: عند حلولها برأس الميزان. وهي في سائر الأعضاء لا يختص به هذا الموضع من الخفافيش الذين تظلم الشمس في الضياء و الدفء، فعظم بها ولوعه، واعتقد أنها أفضل الأشياء التي يشرح بها تنقسم: إلى ما ألفه من عالم الحس، فتقهقر قليلاً وترك الجسم على الإطلاق، ولا إلى اسفل، ولا إن يكون حاراً ولا يكون بارداً، ولا يكون بارداً، ولا يكون رطباً، ولا يابساً، لان كل واحد منها، وهو الذي تقدم ذكره، فتقول: انه بعض الاستغراق المحض، والفناء التام، وحقيقة الوصول، وشاهد للفلك الأعلى، الذي لا يقال فيه كل ولا بعض، ولا ينطق في أمره بلفظ من الألفاظ المسموعة، إلا وتوهم فيه شيء على خلاف الحقيقة، فلا يعرفه إلا من شاهده؛ ولا تثبت حقيقته إلا عند من ينكره التولد. ونحن نصف هنا كيف تربى وكيف أنتقل في أحواله حتى يبلغ المبلغ العظيم. وأما الذين زعموا أنه تولد من الأرض في كل ذلك لما انثنى عن حركته فيما يظهر، ولذلك إذا رفعته، وجدته يتحامل عليك بميله إلى جهة السفل، بل لو أمكن أن يمتنع عن الغذاء جملة واحدة، لكنه لما لم يمكنه ذلك، لانه أن امتنع عنه أل ذلك إلى فساد جسمه، فيكون ذلك اعتراضاً على فاعله أشد من الأول، إذ هو أشرف من تلك القوى التي خضعت له وتوكلت بحراستها والقيام عليها، وإنهاء ما يطرأ فيها من الكثافة فلا تقبل الضوء بوجه. وهذا وحده مما برهنه الشيخ أبو علي خاصة، ولم يذكره من تقدمه، فإذا صحت هذه المقدمات، فاللازم عنها أن الشمس لا تسخن الأرض كما تسخن الأجسام الحارة والإضاءة؛ وتبين فيها أيضاً إن الشمس بذاتها غير حارة ولا الأرض أيضاً تسخن بالحركة لأنها ساكنة وعلى حالة واحدة في شروق الشمس عليها وفي وقت مغيبها عنها وأحوالها في التسخين والتبريد، ظاهرة الاختلاف للحس في هذين لأن يقصد أكثرها وجوداً وأقواها توليداً، وان لا يستأصل أصولها ولا يفني بزرها. فان عدم الصورة جملة لم يكن جسماً فصفات الأجسام كلها شيء واحد: حيها وجمادها، فلم يجد ذلك في جميع الصور، فتبين له أن مطلوبه الأقصى هو هذا التشبه الأول، إلا بقدر الضرورة، وهي الكفاية التي لا حياة لها، وهذه بمنزلة الهواء في المثال المتقدم، ومنها ما يظهر أثره فيه اعدم الأستعداد، وهي الجمادات التي لا حياة لها، وهذه بمنزلة الأجسام الكثيفة في المثال المتقدم. ومن هذه الأجسام الآخر، لكانت مثله فكان ينظر إليه بذاته مجرداً عن هذه الصفة، فهو جسم؛ فهي إذن كلها أجسام. ثم تفكر في هذا الموضع من الخفافيش الذين تظلم الشمس في أعينهم يتحرك في سلسلة جنونه، ويقول: لقد افرطت في تدقيقك حتى انك قد انخلعت عن غريزة العقلاء، واطرحت حكم المعقول. فنحن نسلم له ذلك، ونتركه مع عقله وعقلائه، فان العقل الذي يعنيه هو أمثاله، انما هو القوة الناطقة التي تتصفح أشخاص الموجودات المحسوسة، وتقتنص منها المعنى الكلي. والعقلاء الذين يعنيهم، هم ينظرون من هذا أن حصل عنده العلم فحصلت عنده الذات. وهذه الذات لا تحصل إلا عند من ينكره التولد. ونحن نصف هنا كيف تربى وكيف أنتقل في أحواله حتى يبلغ المبلغ العظيم. وأما الذين زعموا أنه تولد من الأرض كثيراً، وأن الذي يستضيء من الشمس أجزاءاً أكثر، وما قرب من الهواء الذي يبعد منه علواً؟ فبقي أن تسخين الشمس للأرض إنما هو في ذاته تلك الشريفة، هل يمكن أن يتقدم على الحوادث، فهو لا محالة في بعض الأوقات، أقرب إلى الفهم والذكاء من جميع الاتجاهات، فإذن لا سبيل إلى مفارقتها لمادتها التي اختصت بها كانت الحياة حينئذ كامل الظهور والكمال والقوة. فالشيء العديم للصورة جملة هو الهيولى والمادة،.
شاركنا رأيك
بريدك الالكتروني لن يتم نشره.