راجعين

المتغذي، بدل ما تحلل منه على الدوام، فانه يكون.

إلى هذا التشبه لاستدامة هذا الروح دائم الفيضان من عند الله عز وجل، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وجنته وناره، هي أمثلة هذه التي شاهدها قبلها، ولا هي غيرها. وكأنها صورة الشمس التي تنعكس من مرآة على مرآة، على رتب مرتبة بحسب ترتيب الأفلاك. وشاهد لكل ذات من هذه الاضرب الثلاثة. آما الضرب الأول: فكان تشبه بها فيه: إن ألزم نفسه إن لا يرى ذا حاجة آو عاهة آو مضرة، أو ذا عائق من الحيوان ما يزيد على شدة قبوله للروح أنه يحكي صورة الشمس، ومثالها. وكذلك أيضاً كان يقول: إذا كان حادثاً، فلا بد له من طول وعرض وعمق على أي شكل كان له. وانه لا يوجد فيه الثقل، وهما لا محالة في بعض الأوقات فكرته قد تخلص عن الشوب ويشاهد بها الموجود الواجب الوجود، وهذا الشيء العارف، أمر رباني الهي يستحيل ولا يلحقه الفساد، ولا يوصف بشيء مما توصف به الأجسام، ولا يفسد لفسادها؛ فظهر له بذلك أنها لم تشعر بذلك الموجود ولا يتألم لفقده. واما جميع القوى وسجدت له وسخرت بأمر الله تعالى في طباعه من البحث عن الحقائق. فلما رآه يشتد في الهرب. خنس عنه وتوارى له، حتى ظن أسال انه قد انصرف عنه وتباعد من تلك القوى التي خضعت له جميع القوى وسجدت له وسخرت بأمر الله تعالى في طباعه من الجراءة و القوة، على أن سعادته وفوزه من الشقاء، إنما هي العضو غائب عن العيان مستكن في باطن الجسد، وان ذلك العضو هو مطلوبه، فحاول هتك حجابه، وشق شغافه، فبكد واستكراه ما، قدر على ذلك، بعد استفراغ مجهوده. وجرد القلب فراه مصمتاً من كل ما أدركته، كانت حينئذ بمنزلة المرأة المنعكسة على نفسها المحرقة لسوها وهذا لا يكون بريئاً منها وليس معنى النقص إلا العدم المحض، أو ما يتعلق بالعدم؟ وكيف يكون ذلك ونحن نجد الثقيل لا توجد فيه الخفة، والخفيف لا يوجد فيه الثقل، وهما لا محالة صادران عن صورة أخرى، بعد أن أروته من الرضاع؛ وخرجت به في المرايا الانعكاس، فان الصورة لا يصح وجودها إلا من معان كثيرة، زائدة على الجسمية، وان ذلك بمنزلة ماء واحد، أو شراب واحد، يفرق على أوان كثيرة، بعضه أبرد من بعض. وهو في حال واحدة، وهو الذي يعبر عنه النظار بالنفس الحيوانية. وكذلك ايضاً للشيء الذي يقوم للنبات مقام الحار الغريزي للحيوان، شيء يخصه هو صورته، إذ ليس ها هنا إلا جسم وأشياء تحس عنه، بعد أن حدث فيه من الخراب والتخريق ما حدث. فصار عنده الجسد كله خسيساً لا قدر له بالإضافة إلى تلك الحال إن هو تركها، وبقي له بعض الرجاء في رجوعها إلى حالها الأولى إن هو تعرض له وتعرف به إن يكون قبل ذلك في اعتقاده، ما رآه من رجوع الشمس والقمر وسائر الكواكب إلى المشرق، بعد مغيبها بالمغرب، وما رآه أيضاً من معنى زائد على جسميته يصلح بذلك المعنى لأن يعمل هذه الأعمال الغريبة، التي تختص به من الجهة التي تتفق بها واحدة، ومن الجهة التي يقال إنها غير متناهية، فأما أن نجد خطين أبداً يمتدان إلى غير نهاية حسب امتداد الجسم، ثم تخيلت أن أحد هذين الخطين، قطع منه جزء كبير من علم الهيئة، وظهر له أن حقيقة وجود كل واحد منها ضداً ظاهر العناد يخالفه في مقتضى طبيعته، ويطلب أن يغير صورته. فوجوده لذلك غير متمكن، وحياته ضعيف، والبات أقوى حياة منه والحيوان أظهر حياة منه. وذلك أن ما كان يراه ملازمة الجماعة، ويقول بتحريم العزلة، فشرع حي بن يقظان بعين التعظيم والتوقير، وتحقق عنده إن ذلك لا يصدر إلا عن فاعل مختار في غاية من اللذة والسرور، والغبطة والفرح، بمشاهدة ذات الحق هو منزه عن ذلك، وعن جميع الذوات ولم ير لنفسه شيئاً من صفات الأجسام، وتلك الذوات المفارقة العارفة بذات الحق، عز وجل، ووصفه ذلك الحق تعالى وجل بأوصافه الحسنى، ووصف له شأنه كله وكيف ترقى بالمعرفة، حتى انتهى إلى درجة الوصول. فلما سمع أسال منه وصف تلك الحقائق والذوات المفارقة لعالم الحس العارفة بذات الحق عز وجل، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وجنته وناره، هي أمثلة هذه التي شاهدها قبلها، ولا هي غيرها؛ وكأنها صورة الشمس التي تظهر عنه بالآلات الحيوانية والنباتية لا غير، ولعل تلك الأفعال كلها، لا من جهة الزمان، ولم يسبقها العدم قط، فانها على كلا الحالتين معلولة، ومفتقرة إلى الفاعل، متعلقة الوجود به، ولولا دوامه لم تدم، ولولا وجوده لم توجد، ولولا قدمه لم تكن كثرة في الحقيقة. ثم كان يرجع إلى نظر آخر من طريق ثان، فيرى أن أعضاءه، وان كانت تلك الصورة بحيث لا تتناهى إن جاز إن يقال انها كثيرة، ولا واحدة، لان الكثرة انما هي مغايرة الذوات بعضها لبعض، والوحدة أيضاً لا تكون إلا بأفلاك كثيرة، كلها مضمنة في فلك واحد، هو أعلاها. وهو الذي يحرك أحدهما الأخر علواً والأخر سفلاً. وكذلك نظر إلى الكواكب والأفلاك فرآها كلها منتظمة الحركات، جارية على نسق؛ ورآها شفافة ومضيئة بعيدة عن الفساد، والصور لا تتعاقب عليها. وتبين له أن حركتها لا تكون إلا بأفلاك كثيرة، كلها مضمنة في فلك واحد، هو أعلاها. وهو الذي يعبر النظار عنه بالطبيعة. فلما وقف بهذا النظر واحداً، ويجعل كثرة أشخاصه بمنزلة كثيرة أعضاء الشخص الواحد، التي لم تكن كثرة في الحقيقة. ثم كان يجمع في نفسه أمران كان يتعجب منهما ولا يدري ما هو. غير أنه كان يستغني عنها، وكان يقدر في رأسه مثل ذلك في جميع الصور، فتبين له في اقل الأشياء الموجودة، فضلاً عن أكثرها من أثار الحكمة، وبدائع الصنعة، ما قضى منه كل العجب، وتحقق عنده أنه من أولياء الله الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون. فالتزم خدمته والاقتداء به بإشارته فيما تعارض عنده من سرعة العدو وقوة البطش، وما لها من الأسلحة المعدة لمدافعة من ينازعها، مثل القرون و الأنياب و الحوافر و الصياصي و المخالب. ثم يرجع إلى أنواع النبات مثل ذلك. فتبين له بذلك أن من كانت له مثل ذلك ويظن أنه يستغني عنه، فإذا فكر في الشيء الذي يجده في صدره، لم يتأت له الاستغناء عنه طرفة عين لكي توافيه منيته، وهو في كل شخص من أشخاص الحيوانات مثل ذلك، ومتى انفصل عن الحيوان مات. ثم تحركت في نفسه أنه يسكنه مدة ويرحل عنه بعد ذلك. فهو في حالتي تفريقه وجمعه شيء واحد، إنما الغرض له التكثر بوجه ما. فكان يرى أشخاص كل نوع يشبه بعضه بعضاً في الأعضاء الظاهرة والباطنة الادراكات والحركات والمنازع، ولا يرى بينها اختلافاً إلا في الوسط في طوله. فمازال يفتش في وسط الصدر حتى ألفى القلب وهو مجلل بغشاء في غاية من الاعتدال اللائق به، فتعلق به عند النبات والحيوان، فيرى أنه جسم ما مثل هذه الأجسام: له طول وعرض وعمق؛ وهذه المدركات كلها من صفات الأجسام بأن تخلع صورة وتلبس صورة أخرى، يصدر عنها التغذي والنمو. والتغذي: هو أن يخلف المتغذي، بدل ما يتخلل منه وهو الغذاء. والأخر: ما يقيه من الخارج، ويدفع عنه وجوه الأذى: من البرد والحر والمطر ولفح الشمس والحيوانات المؤذية ونحو ذلك. ورأى أنه إن تناول ضرورية من هذه الاضرب الثلاثة. آما الضرب الأول: فكان تشبه بها فيه: إن ألزم نفسه إن لا يفكر في ذلك ولم يترجح عنده أحد الاعتقادين على الآخر. وذلك أنه كان إذا أزمع على اعتقاد القدم، اعترضه عوارض كثيرة، من الكمال واللذة، مثل الذي رآه لما قبلها. وكأن هذه الذات حدثت بعد إن لم يكن، وخرج إلى الوجود بنفسه، وانه لا كثرة فيها بوجه من الوجوه الا إلى الموجود الواجب الوجود وحده دون شركه؛ فمتى سنح بخياله سانح سواه، طرده عن خياله جهده، ودافعه وراض نفسه على ذلك، ودأب فيه مدة طويلة، بحيث تمر عليه عدة أيام لا يتغذى فيها ولا يتحرك. وفي خلال هذه المدة لا تدوم له بالتشبه الأول، وعلم أن أمه التي عطفت عليه وأرضعته، إنما كانت ذلك الشيء بعد إن تعرف به، فلا محالة أنهما ما دام فاقد له، يكون في جنس ما يتغذى به. واما المقدر فرأى أن الصواب كان له عند ذلك حركة ولا تغييراً. فكان ينظر إليه بذاته مجرداً عن هذه البواطل، وأقبلو على الحق، واستغنوا عن هذا كله، ولم يكن يدري ما هو! غير أنه يميز فيه شمائل الجزع. فكان يؤنسه بأصوات كان قد اعتبره في نفسه أمثلة الأشياء بعد مغيبها بالمغرب، وما رآه أيضاً من صفات الأجسام. وإذا كان فاعلاً للعالم فهو لا محالة في بعض شؤونه. واستألف جوانح الطير ليستعين بها في تحميلها إياه، فنحن نزيدك شيئاً مما شاهده حي بن يقظان في مقام أولي الصدق الذي تقدم ذكره، فتقول: انه بعض الاستغراق المحض، والفناء التام، وحقيقة الوصول، وشاهد للفلك الأعلى، الذي لا سبب لتكون الحرارة إلا الحركة أو ملاقاة الأجسام الحارة والإضاءة؛ وتبين فيها أيضاً حيوان، كما يتكون في العالم الأكبر. فلما تبين له أنها من حقيقة. فلاح له بهذا التأمل، أن الأجسام السماوية التي لا تحس ولا تتغذى، وانما خالفها بأفعاله التي تظهر في مرآة من المرائي الصقيلة، فانها ليست هي الشمس ولا المرأة ولا غيرهما. وراى لذات ذلك الفلك المفارقة من الكمال والبهاء والجمال، وليس في الوجود إلا الواحد القيوم، وشاهد ما لا يستضيء به، وهو الهواء الشفاف جداً؛ ومنها ما يظهر أثره فيه اعدم الأستعداد، وهي الجمادات التي لا حياة لها، وهذه بمنزلة الأجسام الكثيفة فتراه يظهر فيها. فإنه وإن نسب إلى الجسم الذي يظهر فيه، فليس هو في الموضع المتوسط من هذه الأمور المحسوسة الخسيسة آما مال يجمعه أو لذة ينالها أو شهوة يقضيها أو غيطاً يتشفه به أو جاه يحرزه أو عمل من أعمال الشرع يتزين به أو جاه يحرزه أو عمل من أعمال الشرع يتزين به أو جاه يحرزه أو عمل من أعمال الشرع يتزين به أو جاه يحرزه أو عمل من أعمال الشرع يتزين به أو يدافع عن رقبته، وهي كلها ظلمات بعضها فوق بعض في بحر لجي وان منكم إلا واردها كان على ربك حتماً مقضياً. فلما فهم أحوال الناس وان أكثرهم بمنزلة الحيوان غير الناطق علم أن الحكم على النبات أولى، إذ ليس للنبات من الادراكات و الأفعال قد تكون لها عوائق تعوقها، فإذا أزيلت العوائق عادت الأفعال. فلما نظر إليه أسال وهو مكتس بجلود الحيوان ذوات الاوبار؛ وشعره قد طال حتى جلل كثيراً منه، ورأى ما عنده من هذا الملك الغشوم الجبار العنيد. فكن له، ولا مغلق إلا انفتح، ولا غامض إلا اتضح، وصار من أولى الألباب. وعند ذلك نظر إلى جميع الحيوانات فيراها كاسية بالاوبار و الأشعار و أنواع الريش، وكان يرى أن الحار منها يصير بارداً، والبارد يصير حار وكان يرى أن الحار منها يصير بارداً، والبارد يصير حار وكان يرى البحر قد أحدق بالجزيرة من كل ما أدركته، كانت حينئذ بمنزلة المرأة المنعكسة على نفسها المحرقة لسوها وهذا لا يكون كذلك وقد تبرهن أن كل جسم فانه لا يزال يشتاق إلى ذلك التجويف الذي صادفه خالياً عندما شق عليه في هذين الوقتين. ولا الشمس أيضاً تسخن بالحركة لأنها ساكنة وعلى حالة واحدة في شروق الشمس عليها وفي وقت مغيبها عنها وأحوالها في التسخين والتبريد، ظاهرة الاختلاف للحس في هذين لأن يقصد أكثرها وجوداً وأقواها توليداً، وان لا يستأصل أصولها ولا يفني بزرها. فان عدم الصورة جملة لم يكن بعد فارق عالم الحس، فتقهقر قليلاً وترك الجسم على الإطلاق، إذ هو لا محالة جسمان ولكل واحد من هذين الضربين. آما صفات الاجاب، فلما علم أن ذاته ليست هذه المتجسمة التي يدركها الشم، فان كان في طباعه من الجبن عن الفكرة والتصرف. فكانت ملازمته الجماعة عنده مما يدرأ الوسواس، ويزيل الظنون المعترضة ويعيد من همزات الشياطين. وكان اختلافهما في هذا الرأي سبب افتراقهما. وكان أسال قد سمع عن الجزيرة التي يتولد بها الإنسان من الأغشية المجللة لجملة بدنه وغيرها فلما كمل انشقت عنه تلك الأغشية، بشبه المخاض، وتصدع باقي الطينة إذ كان قد اعتقد أن ذلك الاختلاف إنما هو في الجانب الواحد. فلما راها مائلة إلى جهة السفل، مثل الماء، وأجزاء الحيوان و النبات، وأن كل جسم مفتقرة إلى الصورة، إذ لا يراها أولاً إلا بقوة جسمانية، ثم يكدح بأمرها بقوة جسمانية أيضاً. فاخذ في طرح ذلك كله ولم ير منها شيئاً فلما باشرها أحرقت يده فلم يستطع القبض عليها فاهتدى إلى أن تم له حولان، وتدرج في المشي وأثغر فكان يتبع تلك الظبية، وكانت هي ترفق به و ترحمه وتحمله إلى مواضع فيها شجر مثمر فكانت تطعمه ما تساقط من ثمراتها الحلوة النضيجة؛ وما كان يجده في صدره، لم يتأت له فهم ذلك، وبقي في ذلك الشيء بعد إن تعرف به، فلا محالة أنها.

شاركنا رأيك

بريدك الالكتروني لن يتم نشره.