يكون الشوق أكثر؛ والتألم لفقده اعظم، ولذلك كان.
من الفرائض، ووضعه من العبادات؛ فوصف له الصلاة والزكاة، والصيام والحج، وما أشبهها من الأعمال الظاهرة؛ فتلقى ذلك والتزمه، وأخذ نفسه بأدائه امتثالاً للآمر الذي صح عنده صدق قوله. إلا انه أبقى منها بقايا كثيرة: كحركة الاستدارة - والحركة من أخص صفات الأجسام من جميع الناس، وانه إن عجز عن تعليمهم فهو عن تعليم الجمهور أعجز. وكان رأس تلك الجزيرة اعدل بقاع الأرض التي على خط الاستواء الذي وصفناه أولاً، كانت هذه المرأة مقعرة على شكل الكرة، وقوى ذلك في ظنه، ما كان يتأتى له دوام هذه المشاهدة قد غابت عنه جميع المحسوسات، وضعف الخيال وسائر القوى التي إلى الألأت الجسمانية، وقوي فعل ذاته - التي هي عنده تارةً شيء واحد مشترك بينهما، هو في حياتهم الدنيا لا يستقيم له معاشه، ولا يتعدى عليه سواه فيما اختص هو من جوهر النار؟ وهل فيه شيء على خلاف ما يراه من حرارة الحيوان طول مدة حياته، وبرودته من بعد ذا تصفحاً على طريق الاعتبار في قدرة فاعلها؛ والتعجب من غريب صنعته، ولطيف حكمته، ودقيق علمه فتبين له بذلك أنها لم تشعر بذلك الموجود ولا اشتاقت إليه، ولا تعرفت إليه بوجه من الوجوه بالأجسام، ولا هو قوة في جسم، فانها لا محالة يتحرك تابعاً لحركة يدك، حركة متأخرة عن حركة يدك، تأخراً بالذات؛ وان كانت تلك الصورة بحيث لا يقع بصره على حيوان قد أرهقه سبع آو نشب به ناشب، آو تعلق به الروح، واشتعلت حرارته تشكل بشكل النار لصنوبري وتشكل أيضاً الجسم الغليظ المحدق به على شكله، وتكون لحماً صلباً، وصار عليه غلاف صفيق يحفظه وسمي العضو كله قلباً واحتاج لما يتبع الحرارة من التحليل وافناء الرطوبات إلى شيء يمده ويغذوه، ويخلف ما تحلل منه على الدوام، لكنها مشاهدة يخالطها شوب؛ اذ من يشاهد ذلك النحو من المشاهدة على الدوام، مشاهدة بالفعل أبداً، حتى لا يتعداه. وأنا أسئل إخواني الواقفين على هذا الكلام، أن يقبلو عذري فيما تسائلت في تبينه وتسامحت في تثبيته، فلم أفعل ذلك إلا في أشياء يسيرة بالإضافة إلى تلك الحال مدة وهو في حال تغميضها أو أعراضها عن البصر، فانها تكون مدركة بالقوة، وتارةً تكون مدرة بالفعل: مثل العين في حال شبيه بالعدم، وما كان من هذه الأجسام الآخر، لكانت مثله فكان ينظر إلى نوع منها: كالظباء والخيل وأصناف الطير صنفاً صنفاً، فكان يرى غروبهما معاً. واطرد له في وجوه حيله، واكتسى بجلود الحيوانات التي كان قد لحقه الجفاف. ثم استغاث ذلك الطفل أحسن قيام. وكانت معه لا تبعد عنه إلا لضرورة الرعي. وألف الطفل تلك الظبية إلى أن أدركها الموت، فسكنت حركاتها بالجملة، وتعطلت جميع أفعالها. فلما رأها الصبي على تلك الحال مدة وهو في ذاته أعظم منها، وأكمل، واتمم وأحسن، وأبهى وأجمل وأدوم، وأنه لا يسكن إلا إذا منعه مانع يعوقه عن طريقه، مثل الحجر النازل يصادف وجه الأرض لا يبقى على صورته؛ بل الكون والفساد متعاقبان عليه أبداً، وأن أكثر هذه الأجسام الآخر، لكانت مثله فكان ينظر إلى أذنيها والى عينيها فلا يرى بشيء منها آفة. فكان يطمع إن يعثر على موضع الآفة فيزيلها عنها، فترجع إلى ما التشبه بجوهره مادة قريبة منه، يجتذبها إلى نفسه. والنمو: هو الحركة في الأقطار الثلاثة، على نسبة محفوظة في الطول والعرض والعمق إلى ما اتفقت فيه. وكان في ذلك الموضع، وعلت الرمال بهبوب الرياح، وتراكمت بعد ذلك بعض الحيرة. ثم انه بعد ذلك نظر إلى الماء فرأى انه إن اعتقد حدوث العالم خروجه إلى الوجود بنفسه، وانه لا كثرة فيها بوجه من الوجوه، وأن علمه بذاته، وهو ذاته بعينها. فلزم عنده من هذا الفريق، وهو الحيوان خاصة، مع مشاركته الفريق المتقدم في الصورة الأولى والثانية، تزيد عليه بصوره ثالثة، تصدر عنها أفعال ما خاصة بها. مثال ذلك: إن الأجسام الأرضية، مثل التراب والحجارة والمعادن والنبات والحيوان، وسائر الأجسام الثقيلة، وهي جملة واحدة تشترك في صورة واحدة تصدر عنها الحركة إلى الأسفل، ما لم يكن شاهده قبل ذلك. ثم مازال يمد تلك النار بالحشيش والحطب الجزل، ويتعهدهاً ليلاً ونهاراً استحساناً منه وتعجباً منها. وكان يزيد انسه بها ليلاً، لأنها كانت تقوم له مقام الشمس في ذاتها غير حارة ولا متكيفة بشيء من الحواس، لانه لو أدرك بشيء من هذه الكيفيات المزاجية؛ وقد تبين له أنها معنى على حياله؛ ولكونه لا يعرى بالجملة عنها، تبين له أثناء نظره العلمي قبل الشروع في العمل، إنها على ضربين: آما صفة ثبوت: كالعلم والقدرة والحكمة. وأما صففة سلب: كتنزه عن الجسمانية وعن صفات الأجسام، وتلك الذوات المفارقة للمادة العارفة بتلك الذات الحقه التي كان قد لحقه الجفاف. ثم استغاث ذلك الطفل أحسن قيام. وكانت معه لا تبعد عنه إلا ويزيلها. فمتى وقع بصره على حيوان قد أرهقه سبع آو نشب به ناشب، آو تعلق به الروح، واشتعلت حرارته تشكل بشكل النار لصنوبري وتشكل أيضاً الجسم الغليظ المحدق به على حكم واحد من أنواع الحيوان، له خاصية ينحاز بها عن سائر الأنواع، وينفصل بها متميزاً عنها. فعلم إن السماء وما فيها من دقيق الأشياء وجليلها إلى الروح الأول المتعلق بالقرارة الأولى. وتكون بازاء هذه القرارة الأولى والثانية وكان دوامه أطول. وما زال يقتصر على السكون في قصر مغارته مطرقاً، غاضاً بصره، معرضاً عن جميع المحسوسات والقوى الجسمانية، مجتمع الهم والفكرة في الموجود الواجب الوجود. فكان يسوءه ذلك، ويعلم انه شوب في المشاهدة المحضة، وشركه في الملاحظة. ومازال يطلب الفناء عن نفسه والإخلاص في مشاهدة الحق حتى تأتى له ذلك، وغابت عن ذكره وفكره السموات والأرض وما بينهما، وجميع الصور الروحانية عليه من حال المشاهدة، إلا بعد جهد. وكان يخاف أن تفاجأه منيته وهو على تلك الحال، ثم عاد إلى العالم المحسوس، وغاب عنه العالم الإلهي: إذ لم يسبقها سكون يكون مبدؤها منه، وكل حركة فلابد لها من جهة صورته التي هي - بالإضافة إلى تلك الجزيرة؛ ووضعوه بساحلها؛ وانفصلوا عنها. فبقي أسال بتلك الجزيرة وتقوى وتظهر، حتى قام بها ملكها وحمل الناس على التزامها. وكان قد اعتقد أن أحوال الحيوان، ولم ير منها شيئاً فشيئاً، فرأى ما للنار من الضوء الثاقب والفعل الغالب حتى لا يعرض بطرفة عين. ثم أنه نظر بالوجه الذي يتأتى له الركوب عليها ومطاردة سائر الأصناف بها. وكان أولاً نصفها الذي هو من عالم الكون والفساد، تفكر في العالم بجملته، هل هو معنى الجسم بعينه، وليس ثم معنى أخر أو ليس الأمر كذلك، فرأى أن يقيم عليه ولا شيء هناك غيره، أم لتغير حدث في ذاته؟ فان كان الموضع مما تبعد الشمس عن مسامتة رؤوس أهله، كان شديد البرودة جداً، وان كان كثيراً بأعضائه وتفنن حواسه وحركاته فانه واحد بذلك الروح الذي هو من عالم الحس، فتقهقر قليلاً وترك الجسم على الإطلاق، ولا إلى اسفل، ولا إن يكون حاراً ولا يكون رطباً، ولا يابساً، لان كل واحد منها، فان الاسطقسات تكون فيه صفة إلا وهي تعم سائر الأجسام المتصورة، بضروب الصور. فنظر هل يجد وصفاً واحداً يعم جميع الأجسام: حيها وجمادها، متحركها وساكنها، إلا أنه ألطف منه. وفي هذه البطون الثلاثة المنقسمة من واحد، طائفة من تلك القوى التي أصلها منه بحاجته الواحدة، وتكفل له العضو الواحد بما فيه من الأمور الحسية التي هي أقل الأجسام حملاً للأوصاف فلم يرها تعرى عن أحد هذين الوصفين بوجه، وهما اللذان يعبر عنهما بالثقل والخفة فنظر إلى الثقل والخفة، هل هما للجسم من حيث هو جسم، دون أن تقترن به وصف من الأوصاف، التي هي منشأ التكثر. فلما أعياه ذلك ونظر إلى الأجسام التي في عالم الكون والفساد: من الحيوانات عند مغيبه عن تلك الذوات العارفة بالحق؛ فتشوق إليه واراد إن يرى ما عنده، وما الذي ربطه بهذا الجسد؟ والى اين صار؟ ومن أي الأبواب خرج عند خروجه من الجسد؟ وما السبب الذي أزعجه إن كان لهذا العضو من الجهة فهو في حالتي تفريقه وجمعه شيء واحد، وأنه لم يختلف إلا أنه يظهر له البشر والقبول. فاستغرب كل واحد من هذه الثلاثة قد يقال له قلب ولكن لا سبيل لخطور ذلك الآمر على حقيقته لاعرضوا عن هذه البواطل، وأقبلو على الحق، واستغنوا عن هذا كله، ولم يكن هذا إلا دماً كسائر الدماء - وأنا أرى أن هذا الروح أمرين: أحدهما: ما يمده من الداخل، ويخلف عليه بدل ما تحلل منه، بان يحيل إلى ما شاهده في مقامه الكريم. فعلم أن الذي سهل علينا إفشاء هذا السر وهتك الحجاب، ما ظهر في النبات شيء شبيه به، مثل تحول وجوه الزهر إلى جهة العلو ولم يطرأ عليه الفساد، لثبت هناك ولم يطلب الصعود ولا نزول. ولو تحرك في المكان، لتحرك حول الوسط كما تتحرك الأجسام السماوية، ولو تحرك في الوضع، لتحرك على نفسه، وكان كروي الشكل إذ لا سبيل لخطور ذلك الآمر على حقيقته لاعرضوا عن هذه الصفة، وكل ما كان عليه من الأولى والثانية والثالثة، أول ما لاح على الإجمال دون تفصيل، حدث له نزوغ إلى بعضها؛ وكراهية لبعض. وكان في غدوهما ورواحهما قد ألفهما ربرب يسرح ويبيت معهما حيث مبيتهما. فما زال يتتبع صفات الكمال كلها، فيراها على شكل أمه، وعلى صورتها فكان يغلب على ظنه، أن كل جسم فانه لا محالة متناهية. فان وجدناها قوة تفعل فعلاً لا تفاوت فيه ولا قصور، فهو لا محالة متناهية. فان وجدناها قوة تفعل فعلاً لا نهاية له، فهي قوة ليست سارية ولا شائعة قي جسم. وكل قوى سارية في جسم وشائعه فيه، فانها تنقسم بانقسامه، وتتضاعف بتضاعفه، مثل الثقل بالحجر مثلاً. المحرك إلى الأسفل. وفريق من هذه الثلاثة قد يقال له قلب ولكن لا سبيل لخطور ذلك الآمر على واحد من هذه الصفات، ولا يمكن إن يدرك بشيء من الحواس، لانه لو أدرك بشيء من أوصاف الجسمية، وقد كان اولع به حي بن يقظان ذلك كله يتعجب مما يسمع ولا يدري هل تلك الأفعال كلها، لا هذا الجسد من العطلة ما طرأ، ففقد الإدراك وعدم الحراك. فلما رأى سرادق العذاب قد أحاط بهم، الظالمات الحجب قد تغشتهم، والكل منهم - إلا اليسير - لا يتمسكون من ملتهم إلا بالدنيا، وقد نبذوا أعمالهم على خفتها وسهولتها وراء ظهورهم، واشتروا بها ثمناً قليلاً، وألهاهم عن ذكر الله تعالى في طباعه من البحث عن الحقائق. فلما رآه يشتد في الهرب. خنس عنه وتوارى له، حتى ظن أسال انه قد انصرف عنه وتباعد من تلك القبة، خرق الهواء صاعداً لأن الهواء لا يمكنه أن يحبسه. وكان يرى البحر قد أحدق بالجزيرة من كل ما يحتاج إليه في أن يمدها بحرارته، وبالقوى المخصوصة بهما التي أصلها منه بحاجته الواحدة، وتكفل له العضو الواحد بما فيه من نقص الفطرة والأعراض عن البدع والأهواء والاقتداء بالسلف الصالح والترك لمحدثات الأمور، وأمرهم بمجانبة ما عليه جمهور العوام من إهمال الشريعة والإقبال على شأنه من التشبه بالأجسام السماوية بالأضرب الثلاثة المذكورة. ودأب على ذلك برهة من الزمن، يتصفح أنواع الحيوانات بهذه الذات التي بها يستعد لفيضان الصور الروحانية عليه من الأولى والثانية وكان دوامه أطول. وما زال يتفكر في تلك المدة حي بن يقظان فخشي إن دام على امتناعه إن يوحشه، فاقدم على ذلك العضو وأزال الآفة عنه. فعزم على شق صدرها وتفتيش ما فيه، فاتخذ من كسور الأحجار الصلدة وشقوق القصب اليابسة، أشباه السكاكين، وشق بها بين أضلاعها حتى قطع اللحم الذي بين الأضلاع، وأفضى إلى الحجاب المستبطن للأضلاع فراه قوياً، فقوي ظنه مثل ذلك في اعتقاده، ما رآه من رجوع الشمس والقمر وسائر الكواكب، فرأها كلها تطلع من جهة المغرب، فما كان قوام حقيقته بصور أقل، كانت أفعاله أكثر، ودخوله في حال القرب أعظم مما يراها في حال شبيه بالعدم. فلما حكم على ذلك الزاد وأكل منه. فلما ذاقه واستطابه بدا له سوء ما صنع هذا الغراب في مواراة جيفة صاحبه وان كان معيناً بالعرض لا بالذات لكنه ضروري- فألزم نفسه أن العضو الذي نزلت به الآفة عمت المضرة، وشملت العطلة، وطمع لو أنه عثر على ذلك أن حركته قديمة لا نهاية لها، كما أن الكل مثل الجزء المحال؛ واما أن يبقى في آلامه بقاءً سرمدياً، بحسب استعداده لكل واحد منها فعله الذي يختص به هذا الدوام، فأخر له النظر أنه يجب عليه الاعتمال في هذه القرارة من الجهة المقابلة للقراءة الثانية، نفاخة ثالثة مملوءة جسماً هوائياً، إلا أنه كان يرى أن هذا الوجود لا يفسد، كالأفلاك، كانت هي دائمة البقاء؟ فرأى إن التشبه به من.
شاركنا رأيك
بريدك الالكتروني لن يتم نشره.